يا جليبيب ألا تتزوج
عبد قصير، أسود، أفطس، فقير، رث الثياب، يشرب بكفيه من المياه الجارية، أو يغترف من الآبار، يأكل كسرات خبز إن وجد، فإن لم يجد يطوي صائما، ينام و فراشه الأرض، و لحافه السماء، و ليس له من مخدة إلا نعليه في فناء مسجد النبي _صلى الله عليه وسلم _
يمر يوما والنبي _صلى الله عليه وسلم _ جالس بين أصحابه، ينظر إلى هذا الرجل، بهذه الحالة ..
قال: أتعرفون من هذا؟
و إذ بأغلب الصحابة لا يعرفون اسمه، إن حضر لن يعرف، لن يدعى، و إن غاب لن يفتقد، و من الذي يحفظ اسم رجل كهذا؟
قال النبي _عليه الصلاة والسلام _ إنه جليبيب، ثم نادى به : يا جليبيب ألا تتزوج؟
فنظر إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ لن يتفجع ، لن يتأوه ، لن يقل يارسول ماعندي دنيا ماعندي مال ماعندي ماعندي ..
إنما ما زاد على أن قال: يا رسول الله، و من يزوج جليبيبا في الدنيا و لا مال و لا جاه؟
يعرف أن الناس ما زالوا يحكمون في هذه المقاييس، إنه ينتظر زواج الآخرة، فتركه النبي _صلى الله عليه وسلم _
و في اليوم الثاني ناداه وهو يمر، يا جليبيب ألا تتزوج؟ قال: يارسول الله و من يزوج جليبيب و لا مال و لا جاه؟
في اليوم الثالث قال النبي: يا جليبيب ألا تتزوج؟
فالتفت مستغرب من نداء النبي _عليه الصلاة و السلام _
قال: قلت لك يارسول الله و من يزوج جليبيب و لا مال و لا جاه؟ قال النبي: يا جليبيب اذهب إلى بيت فلان الأنصاري و اخطب ابنته، و قل أرسلني رسول الله و يقول لكم زوجوني ابنتكم، و كانت الفتاة من أجمل فتيات الأنصار ، فذهب جليبيب و طرق الباب، أرسله النبي _صلى الله عليه وسلم _
و قال: يسلم عليكم النبي و يقول : زوجوني ابنتكم ،
فقال الأب: يا جليبيب لا مال و لا جاه كيف نزوجك؟
و صاحت الأم لزوجها : أيزوج جليبيب و هو على هذه الحال لا مال و لا جاه و ابنتنا في موقعها و موضعها التي هي فيه؟
و تسمع الفتاة المؤمنة، فتاة العقيدة
، فتاة التوحيد، فتاة القرآن و السنة، فتاة قيام الليل ، تسمع الفتاة المؤمنة، و تصرخ بوالديها من الداخل: كيف هذا ؟
أوتردان رسول رسول الله _صلى الله عليه و سلم _؟ و الله إني أجزت زواجي، و إني قبلت به زوجا ..
قالوا : يا ابنتاه انظريه ، انظري شكله، انظري هندامه، انظري ثوبه، لامال، و لا جاه ..
قالت: و الله لا أرد خاطبا أرسله النبي _صلى الله عليه و سلَّم_
و يحضر لعرسه تلك الليلة، و بينما مراسيم الزفاف على بساطتها تعقد، إذ بمنادي الجهاد يصرخ في الخارج: (يا خيل الله اركبي) و إذا بجليبيب _ رضي الله عنه_ يترك عروسه في زينتها، في حلتها، في أرق و أعذب و أجمل لحظة وصال ما بين رجل و امرأة، ليلة الزفاف، و إذا به يسحب يده و كأن عقرب لدغته، و ينطلق كالسهم من الرميح، و يلتحق بصفوف الجيش نحو الغزوة، و يقاتل مع الذين يقاتلون، و تنتهي المعركة، و يأتي النبي _صلى الله عليه و سلَّم_ و يتفقد أصحابه من الشهداء، فيعدد الصحابة كل الناس إلا جليبيبا لا يذكره أحد ..
قال النبي: ألا تفقدون حبيبا؟
قالوا: من؟
قال: أفقد حبيبي جليبيب، ويبحث عنه النبي _صلى الله عليه و سلَّم_ فيجده و قد تلوث بالدم، و أصيب بجراحات بليغة، و صار وجهه من طين الأرض و ترابها، فينفض عن وجهه، و يضع رأسه على فخده الشريف ..
قال النبي _صلى الله عليه و سلَّم _: جليبيب، جليبيب، قتلت سبعا من الكفار ثم قتلت، أنت مني و أنا منك، أنت مني و أنا منك، أنت مني وأنا منك، ثم أشاح برأسهصلى الله عليه و سلَّم_ يميناً ، و قال: أتدرون لم أشحت بوجهي؟
قالوا: لم يا رسول الله؟
قال: و الله إني رأيت زوجاته من الحور العين يتسابقن إلى احتضانه، و أعرفه رجلا غيورا ، فأشحت بوجهي حتى لا يغار ..
إذا أتممت القراءة لا تبخل بالصلاة والسلام علي الحبيب محمد .. اللهُمَ صلي و سلِّم على نبِيَّنا مُحمَّد