مرض النبي محمد صلى الله عليه و سلم
في صفر من السنة الحادية عشر من الهجرة، و قبل وفاة النبي صلى الله عليه و سلم بخمسة عشر يوماً
أَمر النبي صلى الله عليه و سلم {{ أسامة بن زيد }} على سرية لغزو الشام
و أمره أن يسير حتى يصل الى {{ مؤتة}} و هو المكان الذي مات فيه أبوه في غزوة {{ مؤتة }}
و قال له النبي صلى الله عليه وسلم :_ سر إلى موضع مقتل أبيك [[ أبوه زيد بن حارثة رضي الله عنه و ذكرنا استشاهده في مؤتة ]]
و كان عمر {{ أسامة بن زيد}}
[[ قيل ١٧ وقيل ٢٠ عاما يعني بعمر شباب التوجيهي اليوم ]] وكان الجيش به عددا كبيرا من شيوخ المهاجرين و الأنصار
فكان فيهم
{{أبو بكر الصديق، و عمر بن الخطاب، و أبو عبيدة بن الجراح، و سعد بن أبي وقاص، و سعيد بن زيد}}
على ماذا يدل هذا ؟؟
تأكيد النبي صلى الله عليه و سلم لأمته ، أن للشباب أمكانيات هائلة
[[ أهم من كرة القدم ، أهم من التسكع في المولات و الاسواق ، وأهم من الأغاني الساقطة ]]
و لكن تكلم الناس في هذا
قالوا :_ يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين ، مثل ابو بكر و عمر و غيرهم ، الى محاربة الروم ؟؟
و علم النبي صلى الله عليه و سلم بما يتكلم به الناس،
فقام بعد صلاة من الصلوات
وكان إذا صلى بأصحابه وانتهى وسلم ، أستدار دورة كاملة فجعل ظهره الى المحراب ، ووجهه الى اصحابه ثم استغفر وختم صلاته
و لكن هذا اليوم استدار و استقبلهم على الفور قائلاً :_
لقد بلغني ما تقولون في اسامة ، و لئن طعنتم في إمارتي أسامة، فلقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، و أيم الله إنه كان للإمارة لخليقاً ، و إن كان لأحب الناس إلي و إن ولده هذا من أحب الناس إلي بعده
فلقبه الصحابة {{ الحب بن الحب }} اسامة بن زيد
ثم قال :_ فاستوصوا به خيراً ، فإنه من خياركم
_______________________
و بدأ المسلمون يستعدون للخروج، و أمر النبي صلى الله عليه و سلم {{ اسامة بن زيد }} أن يعسكر على باب المدينة حتى يتجمع الجيش
و قبل أن ينطلق شاع الخبر بالمدينة أن النبي صلى الله عليه و سلم وجعٌ [[ اي اصابه المرض ]] لا يفك العصابة عن رأسه فتوقف الجيش
و لم يتحرك الجيش بحياته صلى الله عليه و سلم ، و لن نذكر ما حدث بالتفصيل مع الجيش لأنه انطلق في خلافة الصديق رضي الله عنه
____________________________
و كان قد نزل على النبي صلى الله عليه و سلم بعد غزوة حنين
{{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ * وَ رَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }}
فلما نزلت هذه السورة
قال النبي صلى الله عليه و سلم لجبريل عليه السلام
:_ يا جبريل! أرى أنه قد نعيت إليَّ نفسي بهذه السورة
فقال جبريل: _ يا رسول الله
{{ و الآخرة خير لك من الأولى }}
و الآن وقبل وفاته صلى الله عليه و سلم بأيام
ينزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم
بآخر اية من القران
قوله تعالى {{ وَ اتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَ هُمْ لَا يُظْلَمُونَ }} الآية281 من سورة البقرة
فقال النبي صلى الله عليه و سلم :_ نعيت إلي نفسي
_______________________________
و خرج صلى الله عليه و سلم ، لزيارة شهداء احد
فوقف صلى الله عليه وسلم و معه جمع من اصحابه
و قال :_ السلام عليكم دار قوم مؤمنين, و إنا إن شاء الله بكم لاحقون ، ثم دعا لهم و استغفر
ثم ألتفت الى أصحابه و قال :_ وَددت أن لو رأيت إخواني
قال الصحابة :_أولسنا إخوانك يا رسول الله؟
قال :_ أنتم أصحابي و إخواني الذين يأتون من بعدي يود أحدهم أن لو رآني بأهله و ماله
[[هل اشتقتم للحبيب كما اشتاق لكم ؟؟ بعد أن عشتم ايام و ايام مع سيرته صلى الله عليه وسلم ، هل اشتقتم له
هل شعرتم بلذة محبته في قلوبكم ، الذي أحبكم و لم يراكم ، و تمنى لو رأكم ؟؟ ]]
ثم قال :_ و انا فرطهم على الحوض
[[ بمعنى كيف عندما يكون رجال في سفر و ينطلق رجل منهم قبلهم يهيئ لهم المكان من ماء و مجلس يقال عنه عند العرب فرط القوم ، فالنبي صلى الله عليه و سلم فرط أمته على الحوض عندما يصلون لحوضه يكون قد هيئ لهم ما يسر قلوبهم و يفرحهم حبيب قلوبنا صلى الله عليه و سلم ]]
فقالوا:_ يا رسول الله, كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟
[[ يعني اناس لم تراهم لم تلتقي بهم كيف ستعرفهم ؟؟ ]]
قال: _ أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة [[ الغر هو البياض في غرة الحصان ، محجلة و هو ذلك االبياض الذي يكون على ارجلها و ليس شرط ان يكون في قوائمها الاربعة ، اثنين الامامية يكفي ليقال عنها محجلة ]]
في خيل دُهم بُهم ألا يعرف خيله؟
[[ دُهم يعني لونهم اسود و معنى بُهم الذي لا يخالط لونه لون آخر بلغتنا يعني حصان اسود ما عليه و لا شعرة ملونة اسود كحل ، فمن السهل ان تفرق الحصان التي غرته بيضاء و قدميه فيها بياض من الحصان الاسود فالنبي يسأل الصحابة ألا يفرق صاحبهم بينهم و يعرفهم ، و كذلك يعرف صلى الله عليه و سلم امته ]]
قالوا: _بلى يا رسول الله
قال:_ فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء
[[ أي نور يسطع من جوههم وايدهم بسبب الوضوء ، وهذه العلامة التي بيننا و بين النبي صلى الله عليه و سلم يوم القيامة سببها الوضوء و هذا يدل ان هذه العلامة ليست لأحد من الامم إلا لهذه الامة ، فلو أتت اي امة بهذه العلامة كيف سيعرف النبي امته ، إذن هي علامة مخصصة لأمته ]]
و أنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال
[[ بمعنى ألا ليذادن رجال ، أي يطرد عن حوضه كما يطرد البعير الضال الذي ضاع عن صاحبه ، كانت العرب تضع احواض لأبلها وخيولها ، فيأتي البعير الضال يريد ان يشرب معهم ، فيأتي الراعي و يطرده و يضربه فيهرب هكذا كانت العرب في الجاهلية ، فعلمهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم الرفق بالحيوان فقال :_ في كل كبد رطبة أجر ، ليذادن أي لا بد له ان يطرد من قبل الملائكة عن حوضه ]]
أناديهم:_ ألا هلم, ألا هلم, ألا هلم [[ اي ينادي عليهم تقدموا تقدموا ]]
فيقال:_ إنهم قد بدلوا بعدك
[[ غيروا بعدك ]]
فأقول: _سحقاً سحقاً
_______________________________
و بعد أن رجع صلى الله عليه و سلم اصبح يشعر بأعراض الحمى و إرتفاع الحرارة
فصلى يوما العشاء ، و قال لأحد اصحابه و اسمه
{{ أبو مويهبة }} رضي الله عنه
قال له :_ انطلق بنا الى البقيع [[ وهي مقبرة المدينة ]]
و أمسك بيد {{ ابو مويهبة }} لأن الحمى كانت تهزه صلى الله عليه و سلم [[ يرجف من الحمى صلى الله عليه و سلم]]
و دخل البقيع فوقف على اوله
ثم قال _ السلام عليكم دار قوم مؤمنين ! أنتم السابقون و نحن بكم لاحقون
اللهم رب هذه الأجساد البالية ، و العظام النخرة ، أنزل عليهم روح منك و سلامٌ منا
ثم دعا لهم و استغفر
ثم قال :_ هنيئاً لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، لقد أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها و آخرها أشر من أولها
[[ أي يبشرهم أنهم خرجوا في حياته فلا فتن في حياته صلى الله عليه و سلم ]]
ثم التفت الى أبو مويهبة
و قال له:_لقد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا و الخلد فيها ثم الجنة، فخيرت بين ذلك و بين لقاء ربي و الجنة
[[ يعني خيره الله أن يكون له ملك الدنيا الى ان تقوم الساعة ، خالدا فيها ، ثم يوم القيامة هو هو محمد رسول الله فلا ينقص من اجره شيء ، فأختار صلى الله عليه و سلم لقاء الله ]]
فقال أبو مويهبة :_ بأبي أنت و أمي يا رسول الله! فخذ مفاتيح خزائن الدنيا و الخلد فيها ثم الجنة
فقال صلى الله عليه وسلم
:- لا و الله يا أبا مويهبة! لقد اخترت لقاء ربي والجنة
ثم استغفر صلى الله عليه و سلم لأهل البقيع، و عاد و هو يشعر بصداع شديد في رأسه حتى اوصله ابا مويهبة إلى باب حجرة عائشة و هو ممسك بيده
__________________________
و دخل صلى الله عليه و سلم على حجرة عائشة
فوجدها تقول: _ وا رأساه
[[ اي اه يا راسي من شدة ألم الراس ]]
فأمسك برأسه الشريف صلى الله عليه و سلم
و قال: _ بل أنا و الله يا عائشة وا رأساه
[[ يعني لو تعلمين الألم الذي نزل في راسي ، و لم يكن من عادة النبي أن يشتكي من أي ألم في مرض، و لكن كان الألم هذه المرة شديداً جداً ]]
ثم أخذ يداعبها صلى الله عليه و سلم لينسيها ألم راسها رغم مافيه هو من ألم
فقال :_ يا عائشة و ما عليك لو متِّ قبلي ، فقمت عليك فغسلتك و كفنتك ثم صليت عليك و دفنتك بيدي
[[و كانت عائشة من دون أزواجه جميعاً تُعرف بشدة الغيرة
فلما سمعت هذه المقولة نسيت ألم راسها ، طار الوجع ]]
و قالت :_ لو كنت فعلت [[ يعني لو كنت متت قبلك ]]
لكنت نفضت يديك من دفني ، و عدت لحجرتي وأعرست بزوجة جديدة
فضحك صلى الله عليه و سلم من قولها و ردة فعلها رضي الله عنها و ارضاها
_________________________
و اشتد الألم بالنبي صلى الله عليه وسلم فألتفت إلى عائشة و قال :_ يا عائشة ما أزال اجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم
[[ هو الشاة المسمومة التي أعدها اليهود في خيبر، لقتل النبي صلى الله عليه و سلم في السنة السابعة من الهجرة و قد ذكرناها و { الابهر } هو الشريان الأورطي، و هو اكبر شريان في جسم الإنسان، و الذي يوزع الدم المؤكسج الى جميع أجزاء الجسم
اذن سبب مرضه صلى الله عليه و سلم هو تأثير السم على الشريان الأورطي الذي كان سببه اليهود اخوة القردة و الخنازير فهم قتلت الانبياء لعنهم الله و لعن من وقف معهم و ساندهم و ايدهم
و قد بقي أثر السم في جسده أكثر من ثلاثة سنوات، حتى يعطي الله تعالى للنبي صلى الله عليه و سلم مع درجة النبوة درجة الشهادة، و ذلك لإرادة الله تكميل مراتب الفضل كلها له صلى الله عليه و سلم ]]
_________________________
و كان مع شدة ألمه صلى الله عليه و سلم يخرج للصلاة بالناس في المسجد، و يبيت كل يوم في بيت زوجة من زوجاته
و عندما رأى صلى الله عليهو سلم اشتداد المرض به و الحمى و كان يقسم بين ازواجه حتى في مرضه ، يطوف عليهن جميعاً فلكل واحدة يوم و ليلة
و لقد ذكرت لكم في طريقه لحجة الوداع عندما غضب النبي صلى الله عليهو سلم من السيدة {{ زينب بنت جحش رضي الله عنها }} إحدى زواجاته و قاطعها عندما قالت لزوجته الأخرى صفية رضي الله عنها:_ هذه اليهودية !! في الجزء {{ ٢٦٥ }}
فمن ذلك اليوم أسقط النبي صلى الله عليهو سلم من حساباته {{ زينب }} وكأنها ليست زوجة له وقاطعها
لا يقسم لها في مبيت ، و لا يكلمها و لا يسأل عنها ابداً ، و هو في الحج و محرم
تقول زينب :_ كنت اتعرض له في الطريق و أسلم عليه
اقول :_ السلام عليك يا رسول الله ، و انظر هل يحرك شفتيه يرد علي السلام
[[ لان السلام بدُءه سنة وا لرد عليه واجب ]]
فتقول :_ ما كنت اظن رسول الله يترك واجباً ، بنص القران
قال تعالى {{ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا }}
تقول :_انظر الى شفتيه هل يحركهما و يرد علي ، فلا يرد
و لكنه صلى الله عليهو سلم كان يرد بقلبه [[ كي لا يعطيها امل في انه كان راضٍ عليها ابدا ]]
مضى هذا كله في طريقه للحج ، و حتى رجع و لم يقسم لها بقية هذه الأيام ابداً
أنتهى الحج ، و ذي الحجة ، و دخل محرم و مضى و دخل صفر و نحن في آخره [[ يعني تقريبا ٨٠ يوم]] و هو لا يحسبها من امهات المؤمنين على الاطلاق
____________________
فلما ثقل به المرض وأشتد
و علم أنه إن خرج من هذه الدنيا ، فلن يكلمها أحد من بعده ابداً وي عتبرونها مغضوبٌ عليها
فمشى صلى الله عليهو سلم و هو عاصبٌ رأسه ، يجر خطاه على الأرض من شدة الحمى ، حتى أتى حجرة زينب [[و حجرات أزواجه متلاصقة حول المسجد ]]
فطرق الباب ففتحت
و ذهلت فلم تعرف ماذا تصنع ؟؟ و غمرتها الفرحة ، و غاب عنها القيام بواجب رسول الله
فلقد كانت قد طوت فراشه حين هجرها إجلالاً له ، فلا يجلس عليه احد ، و لا تنام هي عليه
بل كانت تنام على الارض ، فطوت سريره و كان السرير من قصب يجدل عليه الحبال و يطوى و يفرد
طوت سريره ، و طوت فراشه ، و أصبحت تنام على قطيفة في الارض احتراماً لفراش رسول الله
فلما دخل النبي صلى الله عليه و سلم وقفت مكانها لا تدري ماذا تصنع ؟؟ رسول الله يسعى إليها بنفسه !!!!
من غير أن ترجوه ، من غير واسطة بينهم ، من غير أن ينزل وحي ؟؟
فلما رأها ، عذرها لذهولها
فمشى بنفسه الى السرير و وضعه على الأرض ، ثم أخذ الفراش و وضعه عليه
و أمرها ان تغلق باب الحجرة ، ثم أتاها صلى الله عليهو سلم مع ما به من ألم ومرض
و أغتسل في حجرتها ، و مضى بقية اليوم و تلك الليلة كقسمتها كسائر ازواجه صلى الله عليه وسلم
________________________
ثم انتقل صلى الله عليه و سلم في اليوم الثاني الى بيت زوجته {{ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها }} و قد ثقل عليه المرض في بيت ميمونة
و اشتد الألم برسول الله صلى الله عليهو سلم وهذا قبل وفاته فجمع زوجاته
و قال لهن: _لقد ثقل المرض بي و أصبحت عاجزاً عن التنقال الى حجراتكن أفتأذن لي أن أمرض في بيت عائشه ؟
فهي اقرب حجرة إلى المصلى
{{ انظروا الى اخلاق الحبيب المصطفى صلى الله عليهو سلم}}
فقلن: – أذنا لك يا رسول الله
يُتبع إن شاء الله تعالى