قصة قصيرة: خشيت أن يقال ذهب الوفاء
قصة قصيرة: خشيت أن يقال ذهب الوفاء
خشيت ان يقال ذهب الوفاء
فِي عهد الفاروق رضي الله عنه أتى شابان إليه رضي الله عنه و كان فِي المجلس و هُما يقودان رجلاً مِن البادية .. فأوقفوه أمامه .
قال عمر : ما هذا ؟
قالو يا أمير المؤمنين هذا قتل أبانا .
قال : أقتلت أباهم .
قال الرجل : نعم قتلته .
قال عمر : كيف قتلته ؟
قال : دخل بجمله فِي ارضي، فزجرته و لم يخرج فأرسلت عليه حجراً فوقع على رأسه فمات .
فقال عمر : القصاص و هو لا يعلم أصل هذا الرجل و أهله، اغني أم فقير، هل هو مِن قبيلة شريفة أم لا، كل هذا لا يهم عند عمر فتطبيق شرع الله أهم مِن هذا .
فقال الرجل : يا أمير المؤمنين، أسالك بالذي خلق السماوات و الأرض أن تتركني ليلة أذهب بها لزوجتي و أطفالي فِي البادية فاخبرهم بأمري و أودِّعهُم و أعود إليك، و الله ليس لهم عائل سواي .
قال عمر : من يكفلك حتى تذهب لأهلك و تعُود ؟
فسكت الناس جميعاً، لا أحد يعرف اسمه، و لا خيمته، و لا داره، و لا قبيلته، فكيف يكفلونه و هِيَ ليست كفالة على عشرة دنانير و لا على أرض و لا على ناقة إنها كفالة على قطع رقبة بالسيف.
فسكت الناس و لم يتقدم أحد و عُمَر بن الخطاب فِي حيرة مِن أمره، هل يقدم على قتل الرجل و أطفاله يموتون جوعاً هناك أم يتركه يذهب بلا كفالة، فيضيع دم المقتول و سكتَ الناس، و عُمر نكس رأسه، و التفت إلى الشابين أتعفوان عنه ؟
قالا : لا يا أمير المؤمنين من قتل أبانا لا بد أن يُقتل.
قال عمر : من يكفل هذا أيها الناس ؟
فقام أبو ذر الغفاري و قال : أنا يا أمير المؤمنين اكفله .
فقال عمر : هو قاتِل .
و أجابه أبا ذر و لو كان قاتِلاً .
قال عمر : أتعرفه ؟
قال : ما اعرفه .
قال عمر : و كيف تكفلهُ ؟
فقال أبي ذر : رأيت فِي وجهه سمات المؤمنين فعلمت أنه لا يكذب و سيأتي إن شاء الله .
قال عُمر : يا أبا ذر أتظن أنه لو تأخر عن ثلاثة أيام أني تاركك ؟
قال : الله المستعان يا أمير المؤمنين.
و ذهب الرجل و أعطاهُ عُمر بن الخطاب مهلة ثلاثة أيام حتى يهيئ بها نفسه و يُودِّع أطفاله و أهله و ينظر فِي أمرهم بعده ثم يأتي لتنفيذ حكم القصاص .. و بعد ثلاثة أيام لم ينس عمر الموعد و فِي العصر نادى فِي المدينة الصلاة جامعة فجاء الشابان و اجتمع الناس و اتى أبا ذر وجلس أمام عُمر .
قال عُمَر : أين الرجل ؟
فقال أبا ذر : لا أعلم .
و تلفَّتَ أبا ذر نحو الشمس و كأنها تغرب بسرعة على غير عادتها، و سكت الصحابة جميعاً و هُم لا يعلمون ماذا سيحدث . صحيح أن أبا ذر يحبه عُمَر و أنَّهُ صديقه و لكن حكم الله و شريعته أسمى مِن كل شيء.
و قبْل مغيب الشمس بلحظات و إذا بالرجل يظهر، فكبر المسلمون جميعاً .
فقال عمر : أيها الرجل أما لو أنك بقيت فِي دارك ما شعرنا بك و ما عرفنا مكانك ؟
فقال : يا أمير المؤمنين و الله إني أخاف ربي الذي خلقني تركت أطفالي و جئتُ لأُقتل و خشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء بالعهد مِن الناس.
فسال عُمَر أبا ذر : لماذا كفلته ؟
فقال : خشيت أن يقال أن ذهب الخير مِن الناس .
فوقف عُمَر و قال للشابين : ماذا تريان ؟
فقالا و هُما يبكيان : لقد عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه و قالو خشينا أن يقال ذهب العفو مِن الناس .
قال عُمَر : الله اكبر ـ والدموع تسيل على لحيته ـ
(جزاكما الله خيراً على عفوكما عنه و جزاك الله خيراً يا أبا ذر يوم فرجت عن هذا الرجل كربته, و جزاك الله خيرا أيها الرجل لصدقك و نزاهتك) .
الله اكبر .. كم نحن فِي حاجة إلى الوفاء بعهودنا و الخير بيننا و العفو عن بعضنا رضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلَّم.