جادك الغيث إذا الغيث همى
جادك الغيث إذا الغيث همى
للشاعر لسان الدين بن الخطيب في العصر المملوكي
جادَكَ الغيْثُ إذا الغيْثُ هَمى
يا زَمانَ الوصْلِ بالأندَلُسِ
لمْ يكُنْ وصْلُكَ إلاّ حُلُما
فِي الكَرَى أو خِلسَةَ المُخْتَلِسِ
إذْ يقودُ الدّهْرُ أشْتاتَ المُنَى
تنْقُلُ الخَطْوَ علَى ما يُرْسَمُ
زُفَراً بيْنَ فُرادَى و ثُنَى
مثْلَما يدْعو الوفودَ الموْسِمُ
و الحَيا قدْ جلّلَ الرّوضَ سَنا
فثُغورُ الزّهْرِ فيهِ تبْسِمُ
و رَوَى النّعْمانُ عنْ ماءِ السّما
كيْفَ يرْوي مالِكٌ عنْ أنسِ
فكَساهُ الحُسْنُ ثوْباً مُعْلَما
يزْدَهي منْهُ بأبْهَى ملْبَسِ
فِي لَيالٍ كتَمَتْ سرَّ الهَوى
بالدُّجَى لوْلا شُموسُ الغُرَرِ
مالَ نجْمُ الكأسِ فيها و هَوى
مُسْتَقيمَ السّيْرِ سعْدَ الأثَرِ
وطَرٌ ما فيهِ منْ عيْبٍ سَوَى
أنّهُ مرّ كلَمْحِ البصَرِ
حينَ لذّ الأنْسُ مَع حُلْوِ اللّمَى
هجَمَ الصُّبْحُ هُجومَ الحرَسِ
غارَتِ الشُّهْبُ بِنا أو ربّما
أثّرَتْ فيها عُيونُ النّرْجِسِ
أيُّ شيءٍ لامرِئٍ قدْ خلَصا
فيكونُ الرّوضُ قد مُكِّنَ فيهْ
تنْهَبُ الأزْهارُ فيهِ الفُرَصا
أمِنَتْ منْ مَكْرِهِ ما تتّقيهْ
فإذا الماءُ تَناجَى و الحَصَى
و خَلا كُلُّ خَليلٍ بأخيهْ
تبْصِرُ الورْدَ غَيوراً برِما
يكْتَسي منْ غيْظِهِ ما يكْتَسي
و تَرى الآسَ لَبيباً فهِما
يسْرِقُ السّمْعَ بأذْنَيْ فرَسِ
يا أُهَيْلَ الحيّ منْ وادِي الغضا
و بقلْبي مسْكَنٌ أنْتُمْ بهِ
ضاقَ عْنْ وجْدي بكُمْ رحْبُ الفَضا
لا أبالِي شرْقُهُ منْ غَرْبِهِ
فأعِيدوا عهْدَ أنْسٍ قدْ مضَى
تُعْتِقوا عانِيكُمُ منْ كرْبِهِ
و اتّقوا اللهَ وأحْيُوا مُغْرَما
يتَلاشَى نفَساً فِي نفَسِ
حُبِسَ القلْبُ عليْكُمْ كرَما
أفَتَرْضَوْنَ عَفاءَ الحُبُسِ
و بقَلْبي منْكُمُ مقْتَرِبٌ
بأحاديثِ المُنَى و هوَ بَعيدْ
قمَرٌ أطلَعَ منْهُ المَغْرِبُ
بشِقوةِ المُغْرَى بهِ و هْوَ سَعيدْ
قد تساوَى مُحسِنٌ أو مُذْنِبُ
فِي هَواهُ منْ وعْدٍ و وَعيد
ساحِرُ المُقْلَةِ معْسولُ اللّمى
جالَ فِي النّفسِ مَجالَ النّفَسِ
سدَّدَ السّهْمَ و سمّى و رَمى
ففؤادي نُهْبَةُ المُفْتَرِسِ
إنْ يكُنْ جارَ و خابَ الأمَلُ
و فؤادُ الصّبِّ بالشّوْقِ يَذوبْ
فهْوَ للنّفْسِ حَبيبٌ أوّلُ
ليْسَ فِي الحُبِّ لمَحْبوبٍ ذُنوبْ
أمْرُهُ معْتَمَدٌ ممْتَثِلُ
فِي ضُلوعٍ قدْ بَراها و قُلوبْ
حكَمَ اللّحْظُ بِها فاحْتَكَما
لمْ يُراقِبْ فِي ضِعافِ الأنْفُسِ
مُنْصِفُ المظْلومِ ممّنْ ظَلَما
و مُجازي البَريءِ منْها و المُسي
ما لقَلْبي كلّما هبّتْ صَبا
عادَهُ عيدٌ منَ الشّوْقِ جَديدْ
كانَ فِي اللّوْحِ لهُ مكْتَتَبا
قوْلُهُ إنّ عَذابي لَشديدْ
جلَبَ الهمَّ لهُ و الوَصَبا
فهْوَ للأشْجانِ فِي جُهْدٍ جَهيدْ
لاعِجٌ فِي أضْلُعي قدْ أُضْرِما
فهْيَ نارٌ فِي هَشيمِ اليَبَسِ
لمْ يدَعْ فِي مُهْجَتي إلا ذَما
كبَقاءِ الصُّبْحِ بعْدَ الغلَسِ
سلِّمي يا نفْسُ فِي حُكْمِ القَضا
و اعْمُري الوقْتَ برُجْعَى و مَتابْ
دعْكَ منْ ذِكْرى زَمانٍ قد مضى
بيْنَ عُتْبَى قدْ تقضّتْ و عِتابْ
و اصْرِفِ القوْلَ إلى المَوْلَى الرِّضى
فلَهُم التّوفيقُ فِي أمِّ الكِتابْ
الكَريمُ المُنْتَهَى و المُنْتَمَى
أسَدُ السّرْحِ و بدْرُ المجْلِسِ
ينْزِلُ النّصْرُ عليْهِ مثْلَما
ينْزِلُ الوحْيُ بروحِ القُدُسِ
مُصْطَفَى اللهِ سَميُّ المُصْطَفَى
الغَنيُّ باللّهِ عنْ كُلِّ أحَدِ
مَنْ إذا ما عقَدَ العهْد وَفَى
و إذا ما فتَحَ الخطْبَ عقَدْ
مِنْ بَني قيْسِ بْنِ سعْدٍ و كَفى
حيْثُ بيْتُ النّصْرِ مرْفوعُ العَمَدْ
حيث بيْتُ النّصْرِ محْميُّ الحِمَى
و جَنى الفَضْلَ زكيُّ المَغْرِسِ
و الهَوى ظِلٌّ ظَليلٌ خيَّما
و النّدَى هبّ الى المُغْتَرَسِ
هاكَها يا سِبْطَ أنْصارِ العُلَى
و الذي إنْ عثَرَ النّصْرُ أقالْ
عادَةٌ ألْبَسَها الحُسْنُ مُلا
تُبْهِرُ العيْنَ جَلاءً و صِقالْ
عارَضَتْ لفْظاً و معْنىً وحُلا
قوْلَ مَنْ أنطَقَهُ الحُبُّ فَقالْ
هلْ دَرَى ظبْيُ الحِمَى أنْ قد حَمَى
قلْبَ صبٍّ حلّهُ عنْ مَكْنِسِ
فهْوَ في خَفْقِ وحَرٍّ مثلَما
ريحُ الصَّبا بالقَبَسِ
نظر بدهید