الدعاء في الإسلام
الدعاء في الإسلام
الدعاء لُغَّةً:
هُوَ الطلب، و شرعاً هُوَ: توجه العبد إلى ربه فيما يحتاجه لإصلاح دِينه و دُنياه.
و قد أمر الله تعالى عباده بالتوجه إليه فِي حوائجهم الدنيوية لتتيسر لهم،و فِي أمور معادهم ليحط أوزارهم، و يتقبل توبتهم، و يعتق رقابهم مِن النار؛ لأنه ليس لهم من سبيل يتوصلون به إلى مطالبهم غير سؤالهم لخالقهم و مدبر أمورهم، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].
و قال تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:55، 56].
و فِي صحيح البخاري و مُسلِم : يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يغفر لي.
و فِي صحيح مسلم أيضاً: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثمٍ أو قطيعة رحم ما لم يستعجل. قيل: يا رسول الله: ما الاستعجال ؟ قال: يقول قد دعوت و قد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء.
والحاصل أن مِن أسباب استجابة الدعاء أن لا يشتمل على ما نهى الله عنه، و مِن أسبابه أيضاً: بر الوالدين، والصدق مع الله، والابتعاد عمَّا نهى عنه. بدليل حديث النفر الثلاثة أصحاب الصخرة الذين ورد فِي الصحيحين، حيث لم ينفعهم فِي محنة الغار الذي سدَّ عليهم بصخرة عظيمة إلا توسلهم إلى الله بصالح أعمالهم وصدقهم معه وخوفهم منه .
شروط الدعاء
و لهُ ثلاثة شروط :
الأول : دعاء الله وحده لا شريك له بصدق وإخلاص ، لأن الدعاء عبادة قال تعالى : وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر: 60 } وفي الحديث القدسي : من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه . رواه مسلم
الثاني : ألا يدعو المرء بإثم أو قطيعة رحم ، لما رواه مسلمعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ، ما لم يستعجل ، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال ؟ قال : يقول : قد دعوت ، وقد دعوت فلم أر يستجاب لي ، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء .
الثالث : أن يدعو بقلب حاضر ، موقن بالإجابة ، لما رواه الترمذي والحاكم وحسنه الألباني عن أبي هريرةرضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه .
وأما الموانع فهي ضد الشروط المذكورة .
وأما أسباب الإجابة فهي :
الأول : افتتاح الدعاء بحمد الله والثناء عليه ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وختمه بذلك .
الثاني : رفع اليدين .
الثالث : عدم التردد ، بل ينبغي للداعي أن يعزم على الله ويلح عليه .
الرابع : تحري أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل ، وبين الأذان والإقامة ، وعند الإفطار من الصيام ، وغير ذلك .
الخامس : أكل الطيبات واجتناب المحرمات .
وأما كيفية الدعاء فهي أن يبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم يصلي ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ويحضر قلبه ويحسن ظنه بربه ويوقن بإجابة الله له ولا يتردد ولا يقول اغفر إن شئت بل يعزم على ربه ويدعو بحاجته من خيري الدنيا والآخرة .
وأما قولك ( وهل الوسيلة تعتبر دعاء ) فالجواب نعم يجوز للإنسان أن يطلب حاجته من الله مباشرة وهو الأصل، وله أن يتخذ وسيلة مشروعة في دعائه كما قال عمر. اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا. رواه البخاري .
والتوسل المشروع يكون بواحد من أمور ثلاثة :
الأول : التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته .
الثاني : التوسل إليه بالعمل الصالح .
الثالث : التوسل بدعاء الصالح الحيًّ .
وقد قال تعالى عن عباده الصالحين : رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {آل عمران: 16 } فقد توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم ، وأما التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين فلا يجُوز.
أصحاب الغار :-
جاء في مطلع الحديث: (سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ حتَّى أوَوُا المَبِيتَ إلى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عليهمُ الغَارَ، فَقالوا: إنَّه لا يُنْجِيكُمْ مِن هذِه الصَّخْرَةِ إلَّا أنْ تَدْعُوا اللَّهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ..)،
حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ هنالك ثلاثة رجال من الأمم السابقة كانوا يمشون فأمطرت السماء عليهم، فلجؤوا إلى كهفٍ قريب ريثما يتوقف المطر، وفي ذلك الحين انزلقت صخرةٌ ضخمةٌ مِن أعلى الجبل بفعل الأمطار الغزيرة وسدَّت باب الكهف فحُبسوا هناك، فقال بعضهم لبعض: لن تزول هذه الصخرة إلا إذا توسلنا إلى الله بأعمالنا الصالحة التي صدقْنا الله بها، وبدأوا بذكر أعمالهم الصالحة لعلَّ الله أن يُفرِّج عنهم ما هم فيه
الدروس والعبر المستفادة يُستفاد من قصة أصحاب الغار
يأتي الإخلاص في الدعاء، والتقرّب إلى الله تعالى سببٌ لتفريج كلّ الكُرب.
التوسل إلى الله تعالى بالأعمالِ الصالحة.
بيان وجوب الإخلاص لله تعالى في القول والعمل. بيان الأجر العظيم لبرِّ الوالدين وتقديمهما على النفس والولد.
بيان صفة العفَّة وحلاوتها، ومُراقبةِ اللهِ تعالَى وتقواه.
الحثُّ على العطاء وبذل الخير للآخرين دون انتظار مقابل منهم، وحفظ الحقوق لأصحابها والتحذير من الطمع.