إبراهيم بن سليمان

    إبراهيم بن سليمان

    روى ابن كثير في البدايةِ و النهاية، أنه لمَّا أفضتْ الخِلافة إلى بني العباس، اختفى رجالٌ من بني أُمية منهم إبراهيم بن سُليمان، و لم يزلْ مُختفياً حتى أعطاه أبو العباس السَّفاح أماناً، و أدناه منه لِما كانَ فيه من علمٍ و أدب، و فِي ذات يوم قالَ له السَّفاح: يا إبراهيم قد لبثْتَ زماناً مُختفياً منا، فحدِّثني بأعجبِ شيءٍ كانَ فِي اختفائك!
    فقالَ له إبراهيم: خرجتُ إلى الكوفة متنكراً، فلقيتُ فِي الطريقِ رجلاً حسن الهيئة، و هُوَ راكب فرساً و معه جماعة مِن أصحابه. فلمَّا رآني مُرتاباً قالَ لي: ألكَ حاجة؟
    قلتُ: غريبٌ خائفٌ مِن القتل!
    فقالَ لي: ادخُلْ داري!
    و أكرمَ ضيافتي، و أقمتُ عنده طويلاً فمَا سألني مَن أنا، و لا ما حاجتي! و كانَ كل يوم يخرجُ صباحاً و يعودُ مساءً كالمُتأسِّفِ على شيءٍ فاته!
    فقلتُ له: كأنكَ تطلبُ شيئاً؟
    فقال: نعم، إبراهيم بن سُليمان قتلَ أبي، و قد بَلَغَني أنه مُتَخَفٍّ و أنا أبحثُ عنه!
    فضاقتْ بي الدنيا، و قلتُ في نفسي: قادتني قدماي إلى حتفي!
    ثم قلتُ له: هل أدلكَ على قاتلِ أبيك؟
    فقال: أوتعرفه؟
    قلتُ: نعم، أنا إبراهيم بن سُليمان!
    فتغيَّرَ لونه، و احمرَّتْ عيناه، و سكتَ ساعة، ثم قال: أمَّا أبي فسيلقاكَ يوم القيامة عند حاكمٍ عدل! و أمَّا أنا فلا آمن عليكَ من نفسي، و لا أُريد أن أقتلَ ضيفي!
    ثم قامَ إلى صندوقٍ له، و أخرجَ منه صرةً من الدراهم، و قال: خُذْها، و استَعِنْ بها على اختفائك، فإنَّ القوم أيضاً يطلبونك!
    فهذا أكرم رجلٍ رأيته يا أمير المؤمنين!

    يا للرجالِ ما أجملهم حين تُزينهم الأخلاق!
    يا للمروءةِ كم تزيدُ المرء بهاءً وحُسناً!
    يا للعفو كيف يرفعُ الناس مقاماً ما كانوا بَالِغِيه بالانتقام!
    يا للصدقِ كيف يُنجي و إن بدا أنه عكس ذلك!
    يا للمعروفِ كيف يُقيِّدُ الكريم، فيجعله كالعبدِ لمن أحسنَ إليه!
    يا للمواقفِ كيف ترفعُ الناس أو تضعهم!
    يا للسيرةِ الحسنةِ كيف تُروى فِي مجالسِ المُلوك!
    يا للقصصِ الماتعة، و الأخبارِ الحُلوة التي تُخبرنا أنَّ هذا الكوكب صالح للعيش!
    يا للتاريخِ حين يُكتبُ بأحرفٍ مِن نور!

    – أدهم شرقاوي – في قصصهم عبرة

    نظر بدهید

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    بحث

    أعلى